منتديات السواعدة jo
اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نتمنى ان تكون في كامل الصحة والعافية
منتديات السواعدة jo
اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نتمنى ان تكون في كامل الصحة والعافية
منتديات السواعدة jo
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات السواعدة jo

اهلا وسهلا بك يا زائر في منتديات السواعدة ،،، نرجو ان تتمتع في منتدانا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المبحث الثاني والثالث من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
د. السواعده
زائر
Anonymous



المبحث الثاني والثالث من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية" Empty
مُساهمةموضوع: المبحث الثاني والثالث من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"   المبحث الثاني والثالث من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية" Emptyالسبت مايو 03, 2014 7:49 am

المبحث الثاني: المنهج القرآني في الإفادة من علوم الآخرين.
منهج القرآن الكريم في التعامل مع ميراث الأمم والشعوب منهج شامل، ومتكامل، ومتوازن، وخاضع لسنن الله في المجتمعات وبناء الدول والممالك، كسنة التدرج، وسنة التدافع، وسنة الابتلاء، وسنة الأخذ بالأسباب، وسنة التغيير .
والناظر في كتاب الله تعالى يجد أنه دعا إلى الإفادة من تجارب الآخرين بمناهج شتى وصور متنوعة وطرق مختلفة؛ فمرة يطلب من الناس -مؤمنين وكفاراً- النظر في آثار السابقين والاعتبار بأحوالهم والاطلاع على أسباب ما حل بهم جراء فعلهم، ومرة يوجه أتباعه إلى معرفة أن اختلاف الناس وتعدد مشاربهم وتنوع ميولهم وتناقض أمزجتهم سنة لا تتبدل وطريق لا يتغير ولا يعتريه أفول أو زوال، وتارة عن طريق الإشارة إلى المشاهد الداعية للتعلم من خبرات الغير وتجاربهم ووجوب تعلم ما عند الآخرين بصورة المحاكاة وتكرار النموذج واتخاذ القدوة من عوالم شتى عاقلة وغير عاقلة، ويمكن تفصيل ذلك في المطالب الآتية:
المطلب الأول: الدعوة إلى النظر في آثار السابقين
لفت القرآن الكريم أنظارنا في أكثر من موضع منه إلى ضرورة الضرب في الأرض والنظر فيما خلفه المتقدمون والأمم السابقة والاطلاع على تجاربهم ومصارعهم، للوقوف على مواطن القوة والضعف والخطأ والصواب من نتائج أعمالهم وآثار سلوكهم، قال تعالى: ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ آل عمران: ١٣٧
ونجد في المعنى اللغوي للفظ (سنن) ما يرشدنا إلى وجوب استكشاف سبل السابقين وأحوالهم وطرائق عيشهم باعتباره قانوناً ماضيا، ينهل اللاحق من بحره ما ينفعه ويحتاج إليه، لأن معنى: "سُنَنٌ جمع سنة، وهي السيرة والطريقة التي يكون عليها الفرد أو الجماعة، وسنن الله تعالى في خلقه قانونه الماضي في الخلق" .
وليس المقصود بالنظر في سنن السابقين النظر فيما حل بهم من دمار وعذاب فحسب، دون ما شيدوه وأقاموه من نهضة وتطور وعمران وصلاح، وليس المقصود به الكافرون دون المؤمنين، قال في المنار: "إِنَّ إِرْشَادَ اللهِ إِيَّانَا إِلَى أَنَّ لَهُ فِي خَلْقِهِ سُنَنًا يُوجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَ هَذِهِ السُّنَنَ عِلْمًا مِنَ الْعُلُومِ الْمُدَوَّنَةِ لِنَسْتَدِيمَ مَا فِيهَا مِنَ الْهِدَايَةِ وَالْمَوْعِظَةِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، فَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ فِي مَجْمُوعِهَا أَنْ يَكُونَ فِيهَا قَوْمٌ يُبَيِّنُونَ لَهَا سُنَنَ اللهِ فِي خَلْقِهِ كَمَا فَعَلُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْعِلْمِ مِنَ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا الْقُرْآنُ بِالْإِجْمَالِ وَقَدْ بَيَّنَهَا الْعُلَمَاءُ بِالتَّفْصِيلِ عَمَلًا بِإِرْشَادِهِ، كَالتَّوْحِيدِ وَالْأُصُولِ وَالْفِقْهِ.
وَالْعِلْمُ بِسُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - مِنْ أَهَمِّ الْعُلُومِ وَأَنْفَعِهَا، وَالْقُرْآنُ سَجَّلَ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ دَلَّنَا عَلَى مَأْخَذِهِ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ إِذْ أَمَرَنَا أَنْ نَسِيرَ فِي الْأَرْضِ لِأَجْلِ اجْتِلَائِهَا وَمَعْرِفَةِ حَقِيقَتِهَا، وَلَا يُحْتَجُّ عَلَيْنَا بِعَدَمِ تَدْوِينِ الصَّحَابَةِ لَهَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُدَوِّنُوا غَيْرَ هَذَا الْعِلْمِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا الْأُصُولُ وَالْقَوَاعِدُ، وَفُرِّعَتْ مِنْهَا الْفُرُوعُ وَالْمَسَائِلُ ، (قَالَ) وَإِنَّنِي لَا أَشُكُّ فِي كَوْنِ الصَّحَابَةِ كَانُوا مُهْتَدِينَ بِهَذِهِ السُّنَنِ وَعَالِمِينَ بِمُرَادِ اللهِ مِنْ ذِكْرِهَا، يَعْنِي أَنَّهُمْ بِمَا لَهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشُّعُوبِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُمْ وَمِنَ التَّجَارِبِ وَالْأَخْبَارِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَبِمَا مُنِحُوا مِنَ الذَّكَاءِ وَالْحِذْقِ وَقُوَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ كَانُوا يَفْهَمُونَ الْمُرَادَ مِنْ سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - وَيَهْتَدُونَ بِهَا فِي حُرُوبِهِمْ وَفُتُوحَاتِهِمْ وَسِيَاسَتِهِمْ لِلْأُمَمِ الَّتِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، لِذَلِكَ قَالَ: وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْعَمَلِ أَنْفَعُ مِنَ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ الْمَحْضِ وَكَذَلِكَ كَانَتْ عُلُومُهُمْ كُلُّهَا، وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ حَالَةُ الْعَصْرِ اخْتِلَافًا احْتَاجَتْ مَعَهُ الْأُمَّةُ إِلَى تَدْوِينِ عِلْمِ الْأَحْكَامِ وَعِلْمِ الْعَقَائِدِ وَغَيْرِهِمَا كَانَتْ مُحْتَاجَةً أَيْضًا إِلَى تَدْوِينِ هَذَا الْعِلْمِ، وَلَكَ أَنْ تُسَمِّيَهُ عِلْمَ السُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ أَوْ عِلْمَ الِاجْتِمَاعِ أَوْ عِلْمَ السِّيَاسَةِ الدِّينِيَّةِ . سَمِّ بِمَا شِئْتَ فَلَا حَرَجَ فِي التَّسْمِيَةِ . ثُمَّ قَالَ: وَمَعْنَى الْجُمْلَةِ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ تَقَدَّمَكُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ، فَإِذَا أَنْتُمْ سَلَكْتُمْ سَبِيلَ الصَّالِحِينَ فَعَاقِبَتُكُمْ كَعَاقِبَتِهِمْ ، وَإِنْ سَلَكْتُمْ سُبُلَ الْمُكَذِّبِينَ فَعَاقِبَتُكُمْ كَعَاقِبَتِهِمْ" .
قيل في تفسير قوله تعالى:ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ الروم: ٩
قال البغوي: "فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية كان أكثرهم مشركين أي: كانوا مشركين فأهلكوا بكفرهم" . فقال كان أكثرهم ولم يكونوا جميعا.
وقد يصح تفسير آيات الأمر بالسير في الأرض وإجالة النظر في السموات والأرض لمغزى استثماري، إذ أن معرفة الإنسان بالطبيعة معرفة تراكمية مبنية على خبرة من سبق من البشر كما ألمح لذلك الشيخ الشعراوي بقوله: "والسير في الأرض نظر له الدين من ناحيتين: سير يُعَدُّ سياحة للاعتبار، وسيْر يُعَدُّ سياحة للاستثمار، فالسير للاعتبار أن تتأمل الآيات في الأرض التي تمر بها، فالجزيرة العربية مثلاً صحراء وجبال يندر فيها الزرع، فإنْ ذهبتَ إلى أسبانيا مثلاً تجدها بلاداً خضراء لا تكاد ترى سطح الأرض من كثرة النباتات بها، وفي كل منها خيرات؛ لأن الخالق سبحانه وزَّع أسباب الفضل على الكون كله، وترى أن هذه الأرض الجرداء القاحلة والتي كانت يشقُّ على الناس العيش بها لما صبر عليها أهلها أعطاهم الله خيرها من باطن الأرض... فالخالق سبحانه وزَّع الخيرات على الأرض، كما وزَّع المواهب على الخَلْق ليظل الجميع مرتبطاً بعضه ببعض برباط الحاجة لا يستغني الناس بعضهم عن بعض، ولا البلاد بعضها عن بعض، وهنا لفتة إيمانية: أن الخلق كلهم عباد الله وصنعته، والبلاد كلها أرض الله وملكه، وليس لله ولد، وليس بينه وبين أحد من عباده قرابة، فالجميع عنده سواء، لذلك سبق أن قلنا: لا ينبغي لك أنْ تحقد على صاحب الخير أو تحسده؛ لأن خيره سيعود عليك حتماً" .
وخلاصة الأمر أن السير في الأرض والإفادة مما بثه الله تعالى فيها من خيرات والاعتبار بما عملته يد الإنسان وشيدته حركته بمعرفة قوانين الله في الكون منهج قرآني أصيل وهدف إيماني جليل، فضلاً عن أنه مطلب وضرورة بشرية لا يستغني عنه أمة من الناس.
المطلب الثالث: منهج المحاكاة
أكد القرآن الكريم عن طريق بسط قصص الأنبياء والصالحين، وتصوير حركة الكائنات والعوالم على وجود نماذج كريمة، وتجارب إنسانية سابقة يُقتدى بها، وهو من قبيل الإبقاء على التجارب والإفادة منها، قال تعالى: ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ الأنعام: ٩٠.
وقد تقدم في صدر هذا البحث قولي حول معنى الآية ما مفهومه أنه ليس من معاني الهداية التي أمر r بالاقتداء فيها هنا: الاقتداء بأصول الدين والتوحيد أو الشرائع، فهذه أنزلت كاملة مفصلة محكمة من لدن حكيم خبير، وجاءه r بشأنها الوحي، ولو كان المأمور بالاقتداء بهم عليهم السلام أحياءً لما وسعهم إلا اتباعهr في هذا الشأن، وقد تقدم كلام صاحب المنار في مقدمة هذه الدراسة حول هذا الإشكال الشائع لمفهوم هذه الآية، أعيده هنا بتمامه لأهميته في هذا الباب مع شيء من التصرف حيث قال:
بَعْدَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ نَعْلَمَ مَا يَكُونُ بِهِ الِاقْتِدَاءُ وَمَا لَا يَكُونُ وَلَا سِيَّمَا اقْتِدَاءُ النَّبِيِّ - الْمُرْسَلِ بِالشَّرْعِ الْأَكْمَلِ - بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعُهُ ، فَأَمَّا الْعِلْمُ بِتَوْحِيدِ اللهِ وَتَنْزِيهِهِ وَإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ وَبِسَائِرِ أُصُولِ الدِّينِ وَعَقَائِدِهِ كَالْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ وَأَمْرِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَاهُ اللهُ تَعَالَى إِلَى رَسُولِهِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ فَكَانَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا وَبُرْهَانِيًّا لَهُ ... فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ فِيهِ بِمَنْ قَبْلَهُ وَلَا هُوَ مِمَّا يَقَعُ فِيهِ الِاقْتِدَاءُ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَهُ - r - : ﭽﮅﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ النحل: ١٢٣ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمِلَّةَ الَّتِي أَوْحَاهَا إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهَا - وَهِيَ الْعَقِيدَةُ وَأَصْلُ الدِّينِ - هِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ ، وَإِنَّمَا يَتْبَعُهَا لِأَمْرِ اللهِ لَا لِأَنَّهَا مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ ، إِذْ لَيْسَتْ مِمَّا عَلِمَهُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بِالتَّلَقِّي عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ ، وَلَا بِالنَّقْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ - r- نَاقِلًا ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَشْهُورِ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ - r- كَانَ مُوَحِّدًا حَنِيفًا . وَأَمَّا الشَّرَائِعُ الْعَمَلِيَّةُ فَلَا يَقْتَدِي فِيهَا الرَّسُولُ بِأَحَدٍ أَيْضًا ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُهَا لِأَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهَا - ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّسُولَ لَا يَتْبَعُ فِي الدِّينِ إِلَّا مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ مِمَّا فَسَّرْنَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ رَسُولِهِ بِأَمْرِهِ ﭽﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝﭼ الأنعام: ٥٠ .
وﭧ ﭨﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ الجاثية: ١٨ الْآيَةَ .
وَمُوَافَقَةُ رَسُولٍ لِمَنْ قَبْلَهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَبَعْضِ فُرُوعِهِ لَا يُسَمَّى اقْتِدَاءً وَلَا تَأَسِّيًا ، وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّأَسِّي بِهِ فِي طَرِيقَتِهِ الَّتِي سَلَكَهَا فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ وَإِقَامَتِهِ . وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى : ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﭼ الممتحنة: ٤ الْآيَةَ - فَإِنَّهُ تَعَالَى أَرْشَدَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى التَّأَسِّي بِإِبْرَاهِيمَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ وَجَعَلَهُمْ قُدْوَةً لَهُمْ فِي سِيرَتِهِمُ الْعَمَلِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ هَدْيِ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ ، وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ مَعْبُودَاتِ قَوْمِهِمْ وَمِنْهُمْ مَا دَامُوا عَابِدِينَ لَهَا .
وَلَمَّا كَانَ وَعْدُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْهُدَى، بَلْ كَانَ مَسْأَلَةً شَاذَّةً لَهَا سَبَبٌ خَاصٌّ اسْتَثْنَاهَا تَعَالَى مِنَ التَّأَسِّي بِهِ فَقَالَ : ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ الممتحنة: ٤ إِلَخْ .
فَمَعْنَى الْجُمْلَةِ عَلَى هَذَا : أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ آنِفًا ، وَالْمَوْصُوفُونَ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ بِإِيتَاءِ اللهِ إِيَّاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ، هُمُ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ تَعَالَى الْهِدَايَةَ الْكَامِلَةَ ، فَبِهُدَاهُمْ دُونَ مَا يُغَايِرُهُ وَيُخَالِفُهُ مِنْ أَعْمَالِ غَيْرِهِمْ وَهَفَوَاتِ بَعْضِهِمُ اقْتَدِ أَيُّهَا الرَّسُولُ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ كَسْبُكَ وَعَمَلُكَ مِمَّا بُعِثْتَ بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالصَّبْرِ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالْجُحُودِ، وَإِيذَاءِ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْجُمُودِ، وَمُقَلِّدَةِ الْآبَاءِ وَالْجُدُودِ وَإِعْطَاءِ كُلِّ حَالٍ حَقِّهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَأَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، كَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ ، وَالشَّجَاعَةِ وَالْحِلْمِ ، وَالْإِيثَارِ وَالزُّهْدِ ، وَالسَّخَاءِ ، وَالْبَذْلِ ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ ، إِلَخْ"
ويذهب القرآن الكريم إلى جانب ذي بال في هذا المقام، أكثر دهشة وعمقا مما يُتصور، حيث يهدينا إلى تلقف الخير حتى وإن كان من مخلوقات غير عاقلة كالطيور وسائر الحيوانات، فقال تعالى: ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ المائدة: ٣١
وفي الآية حكم على أن العاجز من لا يستطيع محاكاة الظواهر أمامه، وهو أدنى درجات التعلم، قال ابن عاشور: "وهذا المشهد العظيم هو مشهد أوّل حضارة في البشر ، وهي من قبيل طلب سَتر المشاهد المكروهة . وهو أيضاً مشهد أوّل علمٍ اكتسبه البشر بالتّقليد وبالتَّجربة ، وهو أيضاً مشهد أوّل مظاهر تَلقّي البشر معارفه من عوالم أضعفَ منه كما تَشَبَّه النَّاس بالحيوان في الزينة ، فلبسوا الجُلُود الحسنة الملوّنة وتكلّلوا بالريش المُلوّن وبالزهور والحجارة الكريمة ، فكم في هذه الآية من عبرة للتَّاريخ والدّين والخُلُق" .
وقد أثنى سبحانه على قوم سمعوا الكلام وفهموا معناه، ولم يقيسوه على من صدر منه، فأخذوا بالطيب منه وأفادوا منه، وتركوا سيئه فكفوا شره: فقال سبحانهﭽﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﭼ الزمر: ١٨ ، "..يستمعون القول ممن كان، فيتبعون أولاه بالقبول وأرشده إلى الحق، ويلزم من وصفهم بذلك أنهم يميزون القبيح من الحسن ويجتنبون القبيح" .
وخلاصة الأمر أن الإفادة من الآخرين عن طريق محاكاة النماذج منهج قويم، اعتمده القرآن وارتضاه وله من شواهد الكتاب العزيز ما يصعب حصره وإحصاؤه.
المطلب الثاني: الاختلاف سنة لا تتبدل
شاءت حكمة الله تعالى أن يختلف الناس في خَلْقهم، وخُلُقهم، وميولهم وأمزجتهم، وخصائصهم، وألوانهم، ولُغاتهم، وطرائق تفكيرهم، وقدراتهم الإدراكية؛ ومعطيات وجودهم قال تعالى:ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﭼ الروم: ٢٢ لذا كان الخلاف بين البشر سنة إلهية ماضية إلى يوم القيامة، مرده اختلاف الطباع والمصالح والأهواء.
والإقرار بسنة الاختلاف والتنوع بين بني الإنسانية منهج أصيل، اعترف به القرآن الكريم، وعززته آياته وأحكامه، حتى داخل الأمة الواحدة.
ووحدة الأمة بل والناس كلهم في المنظور القرآني لا يعني أنها واحدة في كل شيء، فهذا يعني أنها واحدة في عقيدتها وأصول دينها، ولكنه لا ينفى عنها عناصر التميز والاختلاف والتنوع بين شعوبها وفصائلها داخل الإطار الفسيح للعقيدة الواحدة .
ولو افترضنا التوافق بين الطيف الواحد فضلاً عن الأمم والنحل لما تلونا قول الله عز وجل في كتابه العظيم ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭼ النساء: ٥٩ إذن لولا الخلاف بين الناس لكانت الدنيا كما هي منذ أن خلقها الله عز وجل، لكن اختلا ف الآراء والأهواء أوجد نوعاً من التباين و التنوع في حياة الناس.
فمن سنن الله - تعالى- الثابتة في خلقه أن جعل الناس مختلفين في أشياء كثيرة: في ألسنتهم وألوانهم، وفي طبائعهم وميولهم النفسية والعقلية والعاطفية، وفي آرائهم ونظراتهم في الدين والنفس والمجتمع وما يحيط بهم، ولذلك قال تعالى ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ هود: ١١٨.
ولحكمة يعلمها الله قضت أن يختلف الناس حتى لو كانوا أمة واحدة، قال تعالى:ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ هود: ١١٨ علق الإمام الشاطبي - رحمه الله على هذه الآية بقوله: "أخبر -سبحانه- أنهم لا يزالون مختلفين أبدا، مع أنه قد خلقهم للاختلاف، وهو قول جماعة من المفسرين، فالضمير في (خلقهم) عائد على الناس، فلا يمكن أن يقع منهم إلا ما سبق في العلم، وليس المراد هنا الاختلاف في الصور والألوان والأشكال فقط، إنما المراد الاختلاف في الآراء والنحل والأديان والمعتقدات المتعلقة بما يسعد الإنسان به، أو يشقى في الدنيا والآخرة" .
وكان هذا الاختلاف لحكم عظيمة من أهمها: الابتلاء والامتحان؛ ليظهر عمل صاحب الحق وشطط ذي الباطل، وليتحمل كل إنسان مسؤولية فعله، ومنها أيضاً شحذُ العقل للمزيد من التدبر والتأمل في القرآن والنفس والآفاق.
بل يقرر القرآن الكريم أن الناس في الأصل متوائمين متناغمين، وأن الخلاف طرأ عليهم والتصق بطبيعتهم، قال تعالى: ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ يونس: ٩٩ وتأمل ما علق به ابن عجيبة في تفسيره لهذه الآية بقوله:
"وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ هداية الخلق كلهم لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً بحيث لا يتخلف عنه أحد ، لكن حكمته اقتضت وجود الخلاف، فمن رام اتفاقهم على الإيمان فقد رام المحال، ولذلك قال : أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ بالقهر على ما لم يشأ اللّه منهم حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ كلهم.
قال البيضاوي : وترتيب الإكراه على المشيئة بالفاء ، وإيلاؤها حرف الاستفهام الإنكارى ، وتقديم الضمير على الفعل ، للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل ، فلا يمكن تحصيله بالإكراه فضلا عن الحث والتحريض عليه ، إذ روى أنه - عليه الصلاة السلام - كان حريصا على إيمان قومه، شديد الاهتمام به فنزلت" .
نخلص من هذا إلى أن القرآن الكريم يقرر أن سنَّة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يكونوا مختلفين، ولو وجد اثنان اتفقا على كل شيء فإنّ الاستغناء عن أحدهما أولى.
واستبعد القرآن الكريم أن يكون الناس أمة واحدة ينتظمهم عقد واحد، فبقدر ما حرص على تأكيد الوحدانية لله تعالى، بقدر ما أبرز التعدد فيما عداه.
وهذا الاختلاف في المنظور القرآني جاء لحكمة عظيمة تؤصل لقاعدة ضرورة الإفادة من خبرات الغير أولاً، ولبناء الكون وصلاح الإنسانية ثانياً.



المبحث الثالث: التطبيقات التربوية لمنهج القران الكريم في الإفادة من تجارب الآخرين.
من المعلوم أن دروس الحياة متنامية ومتجددة ومستمرة، تتجاوز أروقة التعليم ومحاضن التأديب المألوفة، تأثيراً وآفاقاً وقدرة ومنهجاً وسعةً، لذا كان على التربويين أن يولوا مهارة الإفادة من تجارب الآخرين عناية فائقة، ذلك لما تشتمل عليه من إيجابية وإبداع، واختصار للوقت، وتسهيل للصعاب والمعوقات، ومعرفة للعقبات وأسباب الفشل والخذلان، وهضم لعوامل النجاح ودوافع النهوض.
وقد أشار القرآن الكريم إلى سبل الإفادة من تجارب الآخرين في مجالات متنوعة وشاملة لجميع مناحي الحياة الإصلاحية، كالجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية وغيرها.
ويعنينا منها الآن ما يتصل بالمجال التربوي، إذ أننا نجد كثيرا من آيات القرآن الكريم تشير إلى مفاهيم ملتصقة بها من جهة التعرف على تجارب الآخرين وآثارهم، كالتعلم بالمحسوس لمن لا يعقل المجرد، وكطلب المعرفة باستخدام وسائلها، وكالتعلم بالنموذج والقدوة ونحوها.
أولاً: التعلم بالمحسوسات والمشاهدات:
لفت القرآن الكريم انتباهنا إلى إجالة النظر في السموات والأرض ودعانا إلى السير في فجاج الأرض لنشاهد عن كثب آثار من قد سبق، فقال ﭨ ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﭼ آل عمران: ١٣٧ ، وهناك عدة آيات جاءت بمثل هذا المعنى كقوله تعالى ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﭼ يونس: ١٠١،وقد تعرضت هذه الدراسة في المبحث الأول منها لبعض أقوال المفسرين من جهة التأكيد على الإفادة من تجارب الآخرين ومعارفهم مما يغني عن إعادته ثانية، لكن ما هو حري بالقول -هنا- التلميح إلى أن فيها ملحظاً تربوياً أصيلاً، يفيد أن الإنسان يتأثر بالأشياء المحسوسة أكثر من مجرد المحاكاة النظرية المجردة، وهو أسلوب تربوي ناجع، فالمتعلم يستطيع أن يفهم المحسوسات أكثر من فهمه للأفكار والرموز المجردة، والطفل يدرك الأشياء من حوله بهذه الطريقة فهو يعرف حيوانات البيئة عن طريق رؤيته لها في البداية، ثم في مرحلة تالية يعرفها عن طريق الصورة وأخيراً يستطيع إدراك الأشياء إدراكاً مجرداً حين سماع أسمها أو رمزها.
وإذا كان ذلك صفة للفرد في مراحل تعلمه فإنه كذلك تدرج لنضوج البشرية بأجمعها حيث "كَانُوا فِي طَوْرِ الْقُصُورِ مُنْغَمِسِينَ فِي الْحِسِّ وَالْمَحْسُوسِ، فَإِذَا تَخَلَّصُوا مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تَخَلَّصُوا إِلَى وَهْمٍ يُثِيرُهُ الْحِسُّ، وَإِنَّمَا هُوَ ظِلٌّ لَهُ يَظُنُّ شَيْئًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، إِذَا عَجِبُوا كَيْفَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى فَهْمِ مَعْنَى الْمَوْتِ ظَنُّوا أَنَّهُ يَغِيبُ عَنْهُمْ غَيْبَةً وَلَكِنْ لَا يَزَالُ يَتَعَهَّدُهُمْ بِمَا يُؤْذِيهِمْ، كَأَنَّ الْمَوْتَ يُحْدِثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةً، فَظَنُّوا أَنَّ أَرْوَاحَ الْأَمْوَاتِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَادِيَاتِ الضَّارَّاتِ، الْمُعَيَّنَاتِ النَّافِعَاتِ، وَلِذَلِكَ كَانُوا يُعِدُّونَ لَهَا مَا يُرْضِيهَا، وَكَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَذْكُرُوا أَسْمَاءَهَا، وَإِذَا سَمِعُوا رَعْدًا أَوْ رَأَوْا بَرْقًا أَوْ أَمْطَرَتْهُمُ السَّمَاءُ أَوْ ذَعَرَتْهُمُ الْأَعَاصِيرُ، تَخَيَّلُوا أَشْبَاحًا مِثْلَهُمْ تُرْسِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِمْ، وَيَذْهَبُ بِهِمُ الْخَيَالُ فِيهَا إِلَى مَا شَاءَ مِنْ صُوَرٍ وَتَمَاثِيلَ. وَهَكَذَا كَانَ شَأْنُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالنُّجُومِ، إِذَا اسْتَعْظَمُوا مِنْهَا شَيْئًا لِعِظَمِ مَضَرَّتِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهِ ، تَوَهَّمُوا فِيهَا مَا شَاءُوا مِنْ قُدْرَةٍ تَفُوقُ قُدْرَتَهُمْ وَإِرَادَةٍ تَقْهَرُ إِرَادَتَهُمْ، وَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ، وَالتَّجَارُبُ تَكْشِفُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ فِيمَا يَتَوَهَّمُونَ، وَالْحَوَادِثُ تَأْتِيهِمْ بِعِلْمِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ، حَتَّى عَقَلُوا كَثِيرًا مِنْ أُصُولِ اجْتِمَاعِهِمْ وَكَشَفُوا شَيْئًا مِنْ عَنَاصِرِ بِنْيَتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَوَصَلُوا إِلَى مَنْزِلَةِ الِاسْتِعْدَادِ لِأَنْ يَفْهَمُوا بَاطِنَ مَا عَقَلُوا وَسِرَّ مَا عَرَفُوا، وَلِأَنْ يَخْلُصُوا مِنْ هَذَا الْعَالَمِ الْجُسْمَانِيِّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ إِلَى عَالَمٍ رُوحَانِيٍّ كَانُوا يَسِيرُونَ فِي طَلَبِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ" .
ومن هنا كان للوسائل التعليمية أهمية كبيرة في نجاح العملية التعليمية انطلاقا من المبدأ القائل: إن التعليم يبدأ من المحسوس إلى المجرد، وهذا ما دعا رجال التربية والتعليم إلى إدخال هذه الوسائل التعليمية في التدريس وجعلها ركيزة مهمة، وأساساً لا يمكن الاستغناء عنها في العملية التعليمية، وهو ما أكدته كثير من الدراسات التي أجريت في الغرب .
ولأهمية استخدام الحس فقد ضرب الله تعالى للناس الأمثال ليوضح لهم سبل الخير وسبل الشر ويقرب إليهم الصورة بأمثلة محسوسة من حياتهم، قال تعالى: ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ البقرة:٢٦٠.
في هذه الآية لم يمنع سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء كونه مرسلاً أن يطلب (رؤية) قدرة الله على إحياء الموتى بعينه ، أي طريق البصر (وهو من أهم حواس الإدراك) وذلك بقوله (رب ارني كيف تحيي الموتى) ولم يستنكر المولى جل وعلا هذا الطلب من خليله، بل أمره بإجراء التجربة بنفسه حتى يتأكد من قدرة ربه على الإحياء.
لقد استعملت التربية القرآنية في هذه الآية تقنية عالية وهي جعل المتعلم (وهو نبي الله وخليله) يقوم بإجراء التجربة بنفسه والتي استعمل فيها (الجبل) و(الطيور) .
نخلص من كل ذلك إلى فكرة ذات قيمة، مفادها: أن القرآن الكريم استخدم كثيراً من وسائل التعليم المادية والحسية من أجل الارتقاء بتفكير البشرية وتحسين درجة تعلمها عمقاً وسرعةً، وقدرةً، وهو الأمر الذي ينبغي للمربين أن يفيدوا منه باستمرار ليرتقوا بطلبتهم وخاصة الأطفال منهم.
ثانيا: الحواس والتعلم
خلق الله الإنسان في طفولته صفحة بيضاء، وأودعه من الحواس والملكات ما يمكنه من التعلم والإفادة من تجارب الآخرين، وهداه إلى أدوات الوصول للمعرفة من أجل البناء على ما انتهى إليه السابقون بحيث لا يبدأ من الصفر، إذ أن التجربة باب الحكمة لمن أرادها، فعن أبي سعيد أن النبي rقال: (لا حليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة) .
وشاءت حكمة الله تعالى أن لا يولد الإنسان متعلماً "فَإِنَّ نُورَ الْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ كَسْبِيٌّ فِي الْبَشَرِ وَمَا كَانَ غَيْرُ كَسْبِيٍّ فِي ذَاتِهِ كَالْوَحْيِ فَتَلَقِّيهِ كَسْبِيٌّ وَفَهْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ كَسْبِيَّانِ، وَظُلُمَاتُ الْجَهْلِ وَالْأَهْوَاءِ سَابِقَةٌ عَلَى هَذَا النُّورِ، فَالرَّسُولُ لَا يُولَدُ رَسُولًا وَإِنَّمَا يُؤْتَى الرِّسَالَةَ إِذَا بَلَغَ أَشَدَّهُ وَاسْتَوَى، وَالْعَالِمُ لَا يُولَدُ عَالِمًا، وَلَا الْفَاضِلُ فَاضِلًا إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ" .
والطفل يولد ولديه خبرة والديه والبيئة المحيطة لينهل منها ويستفيد من هداياتها وحكمها، ولأهمية هذه الحواس وجدت معه منذ نشأته، وهو ما يؤكده القرآن الكريم في أكثر من موضع منه، قال تعالى:ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭼ المؤمنون: ٧٨ .
وصرح القرآن الكريم بأن الطفل في أول ظهور له لا يملك من العلم إلا منافذه، فقال سبحانه: ﭽﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱﯲﯳﭼ النحل: ٧٨. ومن أجمل ما احتواه التراث التفسيري مما اطلعت عليه فيما يخدم موضوعنا ما خطه يراع صاحب المنار في قوله:
"نَشَأَتِ الْجَمْعِيَّةُ الْبَشَرِيَّةُ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ السَّذَاجَةِ لَا تَبْلُغُ بِهَا إِلَى تَنَاوُلِ الشُّئُونِ الرَّفِيعَةِ وَالْمَعَانِي الْعَالِيَةِ وَالْمَعَارِفِ السَّامِيَةِ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِي يُرَبِّي الْفَرْدَ وَيَسُوسُ قُوَاهُ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ رُشْدَهُ هُوَ الْأَبَوَانِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا، وَالَّذِي يَكْفُلُ الْجَمْعِيَّةَ وَيُرَبِّي قُوَاهَا وَيَشُدُّ بِنَاهَا، إِنَّمَا هُوَ الْكَوْنُ وَمَا يَمَسُّهَا مِنْ حَوَادِثِهِ، وَالْحَاجَاتُ وَوَقْعُهَا، وَالضَّرُورَاتُ وَلَذْعُهَا، وَكَمَا يُؤَدِّبُ الصَّبِيَّ أَبَوَاهُ يُؤَدِّبُ الْجَمَاعَةَ شِدَّةُ وَقْعِ الْحَوَادِثِ الْكَوْنِيَّةِ مِنْهَا، وَهِيَ فِي هَذَا الطَّوْرِ لَا هَمَّ لَهَا إِلَّا الْمُحَافَظَةُ عَلَى بِنْيَتِهَا الْجِسْمِيَّةِ، وَحَاجَاتِهَا الْبَدَنِيَّةِ، وَلَيْسَ عِنْدَهَا مِنَ الزَّمَنِ مَا تَتَفَرَّغُ فِيهِ لِأَدْنَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ شَأْنُ الطِّفْلِ فِي صِبَاهُ.
وَالْآثَارُ الَّتِي عَثَرَ عَلَيْهَا الْبَاحِثُونَ فِي مَبَادِئِ ظُهُورِ الصِّنَاعَةِ عِنْدَ الْبَشَرِ وَارْتِقَائِهَا مِنْ أَدْنَى الْأَعْمَالِ إِلَى مَا يَظُنُّهُ النَّاظِرُ أَعْلَاهَا الْيَوْمَ ، تَشْهَدُ شَهَادَةً كَافِيَةً بِأَنَّ الْبَشَرَ كَانُوا فِي بَدْءِ أَمْرِهِمْ مِنْ قُصُورِ الْقُوَى عَلَى حَالَةِ تُشْبِهُ حَالَةَ الصِّبْيَانِ فِي الْأَفْرَادِ ، فَقَدْ كَانُوا فِي بَعْضِ أَطْوَارِهِمْ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى اصْطِنَاعِ الْمَعَادِنِ الْقَابِلَةِ لِلطَّرْقِ كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ ، وَأَنَّ آلَاتِهِمْ لِلدِّفَاعِ وَنَحْوِهِ كَانَتْ مِنَ الْحِجَارَةِ ، ثُمَّ ارْتَقَوْا إِلَى اسْتِعْمَالِ النُّحَاسِ ، ثُمَّ ارْتَقَوْا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْحَدِيدِ، وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ كَانَ رُقِيُّ مَعَارِفِهِمْ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الصَّنْعَةِ، وَمَا عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تَنْظُرَ كَيْفِ ابْتَدَءُوا وَضْعَ حُرُوفِ الْكِتَابَةِ مِنَ الْخَطِّ الْمِسْمَارِيِّ ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا يَرْتَقُونَ فِيهِ إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى مَا تَعْرِفُ الْيَوْمَ ، كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ اللهِ فِي الْجَمَاعَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا سُنَّتُهُ فِي الْفَرْدِ مِنْهَا مِنَ التَّدَرُّجِ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ إِلَى قُوَّةٍ وَمِنْ قُصُورٍ إِلَى كَمَالٍ...هُنَالِكَ تَهَيَّأَ لَهُمْ أَنْ يَنْتَقِلُوا مَنْ طَوْرِ قُصُورِ الصِّبَا إِلَى أَوَّلِ سِنِّ الرُّشْدِ، فَجَاءَتْهُمُ النُّبُوَّةُ تَهْدِيهِمْ إِلَى مَا يَسْتَقْبِلُونَهُ فِي ذَلِكَ الطَّوْرِ الْجَدِيدِ، طَوْرٍ يَكُونُ وَاضِعُ النِّظَامِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ هُوَ اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ، وَيَكُونُ الْمُحَدِّدُ لِصِلَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ تَعَالَتْ أَسْمَاؤُهُ هُوَ الرَّحِيمُ بِهِمُ الْعَلِيمُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُحَدِّدُهُ عُقُولُهُمْ، وَلَا تَسْمُوا إِلَى اكْتِنَاهِ ذَاتِهِ مَعَارِفُهُمْ، هَذِهِ هِيَ الْغَايَةُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُدْرِكُوهَا وَهُمْ فِي قُصُورِ الطَّوْرِ الْأَوَّلِ، قَدِ انْتَهَوْا إِلَيْهَا عِنْدَ دُخُولِهِمْ فِي الطَّوْرِ الثَّانِي.
فَهَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ: إِنَّ الْأُمَّةَ الْوَاحِدَةَ هِيَ الْأُمَّةُ الْآخِذَةُ فِي اعْتِقَادِهَا وَعَمَلِهَا بِالْعَقْلِ وَمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ قَبْلَ النُّبُوَّاتِ جَمِيعِهَا لِأَنَّ ظُهُورَ النُّبُوَّةِ وَالِاسْتِعْدَادَ لِقَبُولِهَا طَوْرٌ مِنَ الْأَطْوَارِ الْبَشَرِيَّةِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ النَّوْعُ الْإِنْسَانِيُّ إِلَّا بَعْدَ التَّدَرُّجِ فِي طَرِيقٍ طَوِيلَةٍ تَنْتَهِي غَايَتُهَا إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ" .
وحيث إن الحواس أبواب التعلم وجب تسخيرها في موقف التعلم ليصبح الموقف أكثر ثراء، تتحقق فيه أهداف التعلم بصورة أفضل، ويتحقق توظيف الحواس المختلفة عند التلميذ بصورة أنجح باستخدام الوسائل التعليمية التي تتجلى أهميتها في كونها تخاطب العقل عن طريق الحواس .
فمن حكمته تعالى أن يتلقى النشء معارفهم عن طريق منافذها فيهم، ليكون نصيب كل منهم حسب اجتهاده واستعداده لتلقي تلك المعارف.
وخلاصة الكلام أن الله فطر الإنسان على حب التعلم والبحث عن الحقائق والغوامض، وأوجد في أصل تكوينه سبل التوصل للمعارف والعلوم ليفيد منها من خلال وسائلها وطرقها، وهي أولى لبنات البناء المعرفي لديه، لذا يلزم المربين ودوائر التعليم المختلفة إيلاء تلك الوسائل عناية كافية تمكن المتعلم من خلالها من اكتساب أكبر قدر ممكن من المهارات والخبرات التعليمية الموجهة نحو العقل والوجدان عن طريق الحركة والبصر والسمع.
ثالثاً: القدوة الصالحة
مما لا شك فيه "أن المناهجَ والنظرياتِ التربويةَ في حاجةٍ دائمةٍ إلى من يُطَبِّقُهَا ويعملُ بها،وبدون ذلك تظلُّ تلك المناهجُ والنظرياتُ حِبراً على ورق، لا تتحقق جدواها ما لم تتحول تلك المناهجُ إلى سلوكٍ عَمَلِيٍّ يسير عليه الأفرادُ في تَصَرُّفَاتِهِم وَمَشَاعِرِهم وأفكارِهم" .
من هنا كانت القدوة الحسنة أهم مبادئ التعلم والتعليم، لذا فقد حث عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ الأحزاب: ٢١.
وكما تقدم فالأنبياء كلهم محل اقتداء، ومثل أعلى، قال تعالى:ﭽﯬﯭﯮﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ الأنعام: ٩٠ ، وقال تعالى في حق أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام :ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ الممتحنة:4.
ولو حاولنا استقصاء المواقف التي كان فيها الرسول r معلماً لأصحابه من خلال القدوة لطال بنا الأمر أو تعذر، لكن ما هو غني عن القول: بأن حياته rكانت ترجمة عملية حية لحقائق القرآن وتعاليمه وآدابه وتشريعاته، ولما فيه من أسس تربوية إسلامية، وأساليب تربوية قرآنية ، إذ كان r قدوة لأصحابه في كل شيء، وفي جميع المجالات، بل أرشد أصحابه إلى التعلم بالقدوة والنموذج بالاقتداء به في قوله r: "صلوا كما رأيتموني أصلي .
ولهذا يدعو القرآن إلى دعم القول بالعمل، ومطابقة الأفعال للأقوال، قال تعالى:ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ الصفSad ٢ - ٣ (وفي هذا الإطار فقد سجل القرآن الكريم مثالاً بيَّن فيه كيف يتعلم الإنسان عن طريق التقليد، فصور لنا قصة قتل قابيل أخاه هابيل، ولم يعرف كيف يتصرف في جثة أخيه، فبعث الله تعالى غراباً ينبش في الأرض؛ ليدفن غراباً ميتاً، فتعلم منه قابيل كيف يواري جثة أخيه، قال تعالى:ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ المائدة: ٣١.
فهذه الآية أصل عظيم لما يمكن أن يطلق عليه التعلم عن طريق المحاكاة والتقليد، وذلك حينما يحاكي شخص ما شخصاً آخر في القيام بفعلٍ ما، أو يحاكيه في النطق بلفظٍ ما.
من هنا تظهر "أهمية القدوة الصالحة ودور المعلم كقدوة في العملية التعليمية، فعلى المربي أن يكون قدوة حسنة لطلابه في أقواله وأفعاله مهتدياً بكلام الله ومقتدياً بالرسول r وخاصة أن الطلاب يحاكون ويقلدون معلميهم أو من يعجبون به فالقدوة الحسنة أكبر تأثيراً وأشد نفعاً من الحكم والمواعظ والمعلومات المجردة، لأنها تقدم للمتعلمين سلامة العقيدة وحسن الخلق ممثلة أمامهم في سلوك المدرس" .
"والقدوة معيار مجسم للسلوك، ونموذج متنقل للفكر، ومثل أعلى يمشي على الأرض وتتنوع مصادر القدوة، ونماذجها فتكون الأم نموذجاً لابنتها وقد لا تكون، وقد تكون المعلمة قدوة للتلميذة والأب والمعلم والرئيس كلٌ قد يكون قدوة لمن يرعاهم وقد لا يكون" .
والقدوة في التربية هي أفعل الوسائل جميعاً وأقربها إلى النجاح... والمنهج الإسلامي لا بد له من قلب إنسان يحمله فيحوله إلى حقيقة، ونموذج حق يتبعه الناس من بعده وقد وجد هذا القلب في شخصية الرسولr القدوة الشاملة المتجددة الباقية على مر العصور...كما أن التربية في المجتمع الإسلامي تقوم بدورها في تنشئة الأطفال عن طريق القدوة المتوافرة في المجتمع متمثلة في الأسرة، والوالدين، والزملاء، والأفراد المؤثرين في بيئته" .
ولا شك أن للقدوةِ الصالحةِ تأثير عميق في الأطفال، إذ لا يقتنعون بتعاليمِ المربي وأوامره بمجرد سماعها، بل يحتاجون مع ذلك إلى المثالِ الواقعيِّ المشاهَدِ، الذي يدعمُ تلك التعاليمَ في نفسِهِ، ويجعله يُقْبِلُ عَلَيها ويَتَقَبَّلُها ويعملُ بها.
وهذا أمرٌ لم يَغْفُل عنه السَّلَفُ الصَّالِحُ، بل تَنَبَّهُوا له، وأَرْشَدُوا إليه المربين، فها هو عمرُو بن عتبةَ يُرشِد مُعلِّمَ ولدِه قائلاً: "لِيَكُنْ أولَّ إصلاحُكَ لِبَنِيَّ إصلاحُك لنفسِك؛ فإن عيونَهم معقودةٌ بعينك، فالحَسَنُ عندهم ما صَنَعْتَ، والقبيحُ عندهم ما تركتَ .
وهذا يؤكدُ أنه لا سبيل إلى التربيةِ السليمةِ إلا بوجود قُدوةٍ صالحةٍ تغدو نموذجاً عمليّاً للامتثال للأوامر، والاستجابة لها، والانزجار عن النواهي، والامتناع عنها .
وخلاصة الأمر أنه يلزم المعلم أن يوفر بيئة التعلم بالنموذج والقدوة، وان يوجه طلبته ليقتدوا بالرسول r في أقواله و أفعاله، وأن يكون محبوباً هو بين طلبته، يمثل مصدر اعتزاز وفخر عندهم في جميع تصرفاته، وسائر أخلاقه والتزاماته بمهماته، وحسن معاملاته، وهذا هو عينه أحد فروع المنظور التربوي القرآني.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المبحث الثاني والثالث من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المبحث الأول من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"
» المبحث الرابع والخاتمة والنتائج والتوصيات والمراجع والفهرس من بحث القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية" د. محمد السواعده
» القرآن الكريم والإفادة من تجارب الآخرين "رؤية تربوية"
» الإفادة من تجارب الآخرين 3 : (عادات أقرها الإسلام) د. محمد السواعده
» من شبهات نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) حول جمع القرآن... هل كان عبد الله بن أبي السرح من كتبة الوحي؟؟ د. محمد السواعده

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات السواعدة jo :: مــنــتــديــات آل ســواعــده :: مــنــتــدى القبيلة :: الـــــــســـــــــاحة الرئيـــــــســـــــية-
انتقل الى: